يقول الراوي / في أحد المستشفيات ، وبينما الطبيب في جولته الإعتيادية الصباحية يمر على المرضىٰ في جناح العظام اذ لاحظ 3 أشخاص إصاباتهم متشابهة ، وقد كسىٰ الجبس كامل أجسادهم باستثناء وجوههم المليئة بالخدوش ، وأكبرهم سناً يضحك ساعة ويبكي ساعة ، فاقترب منه الطبيب يسأله عن حاله وأصحابه ، وسبب تقلب عواطفه بين الضحك والبكاء ، فقال المريض الكسير :
ألم تعرفنا ؟ أو تسمع عنا ؟
قال الطبيب : لا
قال : أنا طويس الشعبي ، وهذان أولاد أختي ، ناشط ، و لاشط ، وحكايتنا مضحكة ، مبكية ، فإن كان لديك وقت كافٍ سردتها لك ، قال الطبيب : إن كانت طويلة فلا وقت لدي ، لكنني سآتيك ليلاً حيث موعدي مع الخفارة هذه الليلة .
قال طويس : بالتأكيد ستجدني بانتظارك :)
وفي الليل جاء الطبيب إلى طويس وكله فضول لسماع حكاية طويس الشعبي وبنيخيه ، وقال على الفور : إهرج يا الشعبي .
قال الشعبي :
لقد كنت صديقاً لمحافظ بلدتنا ، أنهل من خيره ، وأستفيد من وجاهته ، وكنت أتوسط لخاصتي من الناس عنده ليقضي حاجاتهم ، ويوظف أولادهم ، وكان يفعل ما أطلبه ، وفي المقابل أضمن له سكوتهم وعدم تأليب الناس عليه ، أو تحريض الحكومة ، حيث كان يقتطع من أراضي البلدة لنفسه ، ولأقاربه ، ويشارك الناس في تجاراتهم مقابل تسهيل أمورهم ، الخ .
وفي يوم من الأيام أصبحنا على خبر موت صديقي المحافظ ، وتعيين الحكومة محافظاً مكانه ، حاولت توطيد علاقتي مع المحافظ الجديد ، لكنه كان محاطاً ببطانة سيئة لم تسمح لأحد من الإقتراب منه إلا بشروطها ، فحرمت الخير الذي كنت أناله ، فقل مالي ، وذهبت وجاهتي ، وتفرق الناس من حولي ، فلم أدري ما أصنع !
هل أقبل بشروط بطانة المحافظ ، وأرضى بالقليل ، وأكون تحت تصرفهم ؟ أم أبتعد ؟
وبينما أنا بين رأي ورأي اذ جائني ناشط ، ولاشط وقالا : أبعد السلطة والنفوذ تخضع لأمثال هؤلاء !
إنسى ما كان ، وتعال معنا نشتغل أحراراً ، وعرضا علي أن أدخل معهما في مشروع زراعي ، فترددت ، لكنهما أقنعاني بنجاح المشروع ، فوافقت على مضض ، وشريت بنصف ما تبقى معي من مال بذوراً ، فزرعناها في أرضٍ لي ، لكن الله أراد أن يكون ذلك الموسم قحطاً ، فلم تنزل قطرة ماء واحدة ، فخسرنا مشروعنا .
ثم إقترح علي أبناء أختي مشروعاً آخراً بأن نشتري غنماً ونسمنها ثم نبيعها قبيل عيد الأضحىٰ ، فوافقت مكرهاً ، ودفعت لهما النصف الآخر من المال ، فاشترينا به ١٠٠ رأس من الغنم ، لكن مرضاً أصابها فماتت كلها قبيل العيد بأسبوع !
فضاق بي الحال أكثر ، وفكرت ماذا أفعل ، وكيف أعوّض خسارتي بتجارة لا تمرض ، ولا تُسقىٰ ، وأصبحت ألوم ناشط ولاشط على ما أوصلاني إليه ، فقالا : التجارة ربح وخسارة ، وليس أمامك إلا أن تبيع أرضك الزراعية ، وتشتري محلاً في السوق .
وافقت أيضاً على مقترحهما ، فبعت أرضي ، وبحثت في السوق عن محل أشتريه فما وجدت إلا واحداً في طرف السوق ، وكان مغلقاً ، ويجلس أمامه رجل ذا هيبة ، فسألته إن كان المحل للبيع ، فقال : هو كذلك ، ففرحت ، واتفقت معه على السعر ، ودفعت نصف ما معي على أن يُحضر المفاتيح من الغد ويسلمني المحل .
ولما كان من الغد حضرت في الموعد فوجدت المحل مفتوحاً وفيه شيخ كبير يبيع بضائعه ! فقلت إني اشتريت هذا المحل بالأمس من صاحبه ! فقال الشيخ : لا صاحب للمحل غيري ، ولم أحضر بالأمس لوعكة ألمت بي .
قال طويس : سألت أصحاب المحلات من حوله عن صاحب المحل ، فقالوا لا نعلم له صاحباً غير هذا الشيخ ، وقد نُصب عليك !!
قال الطبيب وهو يضحك : وما علاقة هذه الحكايات بما حل بك أنت وبنيخيك ؟
قال طويس : حين ذهب كل مالي ، وعرفت أنني منحوس ولن أفلح بتجارة ، قلت لناشط ولاشط لم يتبقى لي إلا طريقة واحدة لأستعيد مالي ، قالا وما هي ؟ قلت نقطع الطريق على زوّار المحافظ الجديد حيث قصره في أعلى الجبل ، وكل زواره أغنياء ، فوافقا على الفور ، وأحضرا رشاشين ومسدس .
وفي أول محاولة لقطع الطريق أوقفنا سيارة جيب لاندكروزر حديثة وفيها شخص وحيد ، ووضعت المسدس على رأسه وأخبرته أنه مخطوف ، فقاد السيارة وزاد من السرعة ، دون أن يتحدث بشيء !
وأثناء ذلك رن هاتفه الجوال ، فقلت له رد ، وقل لأهلك أنك مخطوف ، وأننا نطلب فدية مليون ريال أو قتلناك .
فتح المخطوف الجوال وقال مخاطباً المتصل :
حياك الله يا أبا البراء ، باقي كيلو واحد على منزل المحافظ ، وإن شاء الله ستسمعون صوت الإنفجار ، وستفرحون بمقتل المحافظ الكافر ومن معه !! الموعد الجنة .
انصدم طويس وقال : ايش تقول أنت ؟
قال المخطوف : أنا انتحاري ، والسيارة مفخخة بـ طن من المتفجرات ، وأنا لابس حزام ناسف ، وأي حركة ستنفجر السيارة ، وهذا إصبعي على الزر .
صاح طويس : طيّب نزلنا وكمّل طريقك ، خلاص ما نبي نخطفك !
قال الإنتحاري : لا ، ما عاد هو بكيفك ، ولا فيه مجال أوقف ، كل شيء محسوب بالوقت ، وان شاء الله أنتم رفقائي إلى الجنة !
قال طويس : قلنا بصوت واحد أنا ولاشط وناشط ، ما نبي الجنة بس اتركنا نعيش ، وقمنا نتوسل إليه ، ونقبل رأسه ، ويده ، وكثر صراخنا ، وارتباكنا ، فقال :
خلاص ، سوف أسمح لكم بالنزول من السيارة ، لكنني لن أتوقف ، فاقفزوا من السيارة ، وبدون تردد ، قفزنا من السيارة وهي بسرعة ١٦٠ كم ، فما أفقنا إلا في المستشفى ، وحالنا كما ترى ، وهذا الذي يضحكني ويبكيني ، فالنحس يلازمني في كل ما أقوم به منذ حُرمت من منفعة المحافظ !
ليتني ما طاوعت هـ الإثنين !
*
خلاصة القول :
من طاوع الجهّال يصبر على اللوم
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق