مؤسس سنغافورة الحديثة (لي كوان كيو) وأول رئيس وزراء لها؛
له مقولة خالدة يرددها أناس كثيرون من هواة الإقتداء والتمثّل بأقوال الحكماء... مع
عدم العمل بها.
يقول لي كوان "مكافحة الفساد مثل تنظيف الدرج، يبدأ
من الأعلى إلى الأسفل".
في نقاش مع أحد الزملاء حول الفساد المستشري في البلد وكيفية
القضاء عليه أو الحد منه ذكرت له أن محاربة الفساد تبدأ من الدائرة الأصغر ثم التي
تليها، بإصلاح الفرد لنفسه وأولاده وعائلته وبيئته المحيطة به وعمله وهكذا، حتى يظهر
تأثير ذلك في المجتمع وتعم ثقافة الإصلاح فيُلجم الفساد ويخنس المبررون و..
قاطعني زميلي بـ لا لا لا، هذا كلام فاضي، تنظيف الدرج يبدأ
من الأعلى إلى الأسفل!! إذا لم تصلح السلطة لن يصلح شيء!
قلت: وأين موقعك أنت من الدّرَجْ؟
قال: المواطن مسكين ويعتبر آخر درجة في الأسفل.
وإلى متى سنترك "إدْرِجتنا" متسخة وننتظر إلى أن
يكنس الآخرون أوساخهم، ويلقونها علينا أسفل منهم؟!
قلت له ذلك رغم علمي بأن الأمثال تضرب ولا تقاس.
زميلي هذا يحمل شهادة من جامعة لا يعرف إسم مديرها، ولم يتحدث
يوماً إلى أحد دكاترتها، كما أنه لا يعلم أين مقرّها، وأيضاً هو في عمله يمارس أحد
أنواع الفساد الإداري الذي أعلمه أنا، ولا ينكره هو، لكنه يبرره بمقولة: وقّفت علينا،
البلد كله خربان!
سأحاول أن أثبت لكم اليوم أن الديرة فيها خير... وبها صالحون
ومصلحون، وأن محاربة الفساد تبدأ من إصلاح الفرد لنفسه، وأن التقاعس تذرعاً بفساد الحكومة
هو عذر واهٍ.
بسم الله /
نقر جميعاً أن وزارة التربية مؤسسة حكومية فاشلة بإمتياز،
عطفاً على سوء الإدارة، وضعف الرقابة على المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، مروراً
بالمناهج العقيمة، والأساليب التربوية التقليدية، وانتهاءً بـ 4 آلاف معلم ومعلمة أخذوا
كادراً مالياً فخرّجوا لنا جيلاً لا يستطيع دخول الإختبارات بدون آيفون!
فساد رأس السلّم في وزارة التربية، وفشل الوكلاء ومساعدي
الوكلاء في مهامهم، وتقاعس مدراء المناطق التعليمية عن أداء واجباتهم بالشكل المطلوب،
كل ذلك لم يمنع المصلحين من الإصلاح، ولم يقف عائقاً أمام نجاح إدارة مدرسة ثانوية
الفرزدق، وإدارة المعهد الديني في منطقة الفحيحيل، ومدارس أخرى لم ينتظر مدراؤها ووكلاؤها
أن تكنس الدرجة العلوية أولاً، ولم يعولوا على مقولة "الإصلاح يأتي من فوق"
تلك الحجة الواهية التي يرددها الكسالى الخايبين.
أصلح هؤلاء المدراء ذاتهم فأصلحوا ما حولهم.
عملوا وفق ما تمليه عليه ضمائرهم، فأرضوا ربهم، و"حللوا
معاشهم"، وأدوا الأمانة التي أُوكلوا بها، ولم يركنوا إلى مخمّة (لي كوان كيو).
فقيسوا على ذلك وإبدأوا بإصلاح أنفسكم.
لن يمنعكم من الإصلاح أحد، ولن يرغمكم على الفساد أحد.
*
خلاصة القول:
كل واحد ينظّف إدرجته!
.