2013-08-30

المتخندقون.. والإقصاء الإجتماعي


ذكرت أكثر من مرّة أننا نعاني من عقدة الخندقين، أو الفريقين، ويعتقد كثير منا أنه لا يملك خيار الوقوف بالحياد من أي قضية مطروحة أو حدث ساعة.
تصحو صباحاً على قضية بين طرفين متخاصمين تميل بالفطرة أو الإنتماء أو بنظام الفزعة إلى أحدهما أو لأن الآخر من عدوك! وبدلاً من محاولة فهم القضية والبحث عن الحقيقة والوقوف إلى جانب الحق أينما وجد ومع من كان، تجد نفسك مضطراً لتكييف نفسك مع موقف صاحبك ومناصرته كيفما إتفق.. وبالعربي تحاول تركبّها وإن ما ركبت عالجتها بالترهيم.. ثم تختمها بإدعاء أن هذا موقف الأحرار!
كيف تكون حراً كما تقول وتردد وموقفك معروف من كل حدث وقضية قبل أن تكون وقبل أن يُسمع رأيك؟
كيف تكون حراً وأنت مجرد مقطورة تجرها قاطرة في إتجاه واحد معلوم البداية والنهاية.
كيف تكون حراً والحكم لديك قبل المداولة.

الذي يميل إلى موقف الأشخاص دائماً ويكون رأيه تبعاً لهم في كل قضية لا شك أنه لا يعي معنى مقولة علي بن أبي طالب حين قال: (يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال)

مناصرة الأشخاص شيء، ومناصرة قضايا الحق شيءٌ آخر.
في الكويت لدينا متضادات كثيرة تنقسم حولها الجماهير إلى فريقين إثنين فقط، ولا مجال لظهور فريق ثالث محايد!
وهي على سبيل المثال لا الحصر:
معارضة، موالاة
السعدون، الخرافي
مرزوق، طلال
مسلم، عبيد
حر، إنبطاحي!
والإنبطاحي مصطلح سيء اللفظ قبيح المعنى إختاره أحد شخصين، إما جاهل بالمعنى أو خبيث بالفطرة.. ويطلق هذا المصطلح على نائب مجلس الأمة الذي يقف في صف الحكومة ويشكل مع مجموعة نواب آخرين (متبطحين) أغلبية برلمانية تكفل للحكومة تشريع الفساد والعبث بمقدرات البلد وحرمان الشعب من مكتسباته وكثير من حقوقه، كما تعمل هذه الأغلبية على إجهاض إستجوابات المعارضة وحماية أعضاء الحكومة الفاسدين ووأد كل محاولات الإصلاح في مهدها.
تماماً كما كانت تفعل الأغلبية البرلمانية في مجالس 1999 و2003 و 2006 والتي كانت حدس أبرز الإنبطاحيين فيها بمساندة بعض نواب القبائل.
وكما فعلت الكتلة الشيعية وكتلة العمل الوطني في مجالس 2008 و 2009 و 2012.
وحسب تعريف مدّعي الحرية للإنبطاحية فإن الذي حصل في الـ 3 مجالس الأولى والـ 3 مجالس التالية ما هو إلا تبادل أدوار الإنبطاح بين حدس والقبليين من جهة، والشيعة والوطني من جهة أخرى.

****
ربما يقول أحدكم أن هذه المتضادات موجودة في كل عمل سياسي وفي كل مجال في أكثر الدول ديمقراطية وهو تنافس تقليدي وظاهرة صحية قد تسهم في إثراء العمل السياسي وتخدم الصالح العام، وهذا أمر جيد ومقبول، لكن الذي يحدث عندنا أن الأمر تجاوز التنافس السياسي إلى التناحر والعداء ومحاولة الإجتثاث والإقصاء السياسي الذي تجاوز إلى محاولات صريحة معلنة للإقصاء الإجتماعي وممارسة إرهاب فكري ضد الطرف الآخر وأيضاً ضد كل من يقف على الحياد، وهي سياسة شبيهة بتلك التي صرّح بها جورج بوش: إن لم تكن معي فأنت ضدي!
محاولة الإقصاء الإجتماعي التي يمارسها الفريقان المتضادان سياسياً أخطر على المجتمع من تلك التي دأبت الحكومة على العمل بها طوال الأربعة العقود المنصرمة عندما كانت تعمد على زرع الفرقة بين فئات المجتمع لتفرّق ثم تسد.
لقد تعدينا هذه المرحلة بكثير ووصلت الفرقة إلى أبعد من ذلك، وحدث هذا منذ بدء المظاهرات وبعد إتضاح نتائجها وإفرازاتها، وعزز ذلك مرسوم الصوت الواحد، وأبرزه تويتر وإستنطاق الرويبضة وظهور الليبراليون الجدد الذين يمارسون جلد الذات ويجاهرون بإنسلاخهم العقائدي وتمردهم على مجتمعهم المحافظ، كما كشفت الأزمة المصرية خفايا صدور ونوايا زادت من فرقة أهل البيت الواحد.
ومن شواهد الإقصاء الإجتماعي إطلاق مصطلحات وعبارات درجت بين الناس مثل: فداوية، ربع الإسطبل، إنبطاحي، أطردوهم من ديوانياتكم.
وكان أصحاب الخندق الآخر سبّاقون في محاولة إقصاء ونبذ خصومهم إجتماعياً ولديهم مصطلحاتهم الخاصة مثل: لفو، هيلق، عَقَدْ، مؤزمين وغيرها.
كما راجت مسميات وتصنيفات ونعوت سوقية بين الطرفين نكرم القارىء عن ذكرها، رغم أن بعض الجماهير السذّج يرددونها بلا حياء بحجة أنها قيلت فيمن يستحق الذم، وقد تناسى مطلق هذه الألقاب ومرددها أن الكريم يعامل الناس بأخلاقه لا بأخلاقهم.

****
الشعب الكويتي يعاني من عقدة الخندقين حتى في مجال الرياضة العالمية، فهناك فريق برشلونة ويقابله فريق ريال مدريد، ولا عزاء لأتليتكو مدريد.
وفي القضية المصرية من ينتقد الإخوان فهو محسوب على السيسي وحكم العسكر!
ولذلك خرجت تصنيفات إقصائية من نوع آخر كادت أن تخرج الخصوم من الملّة.
وأين كنا قبل السيسي؟ ربما كنا مع الفلول! وقبل الفلول هل كنا مع حسني مبارك! ربما؟
ويتهم البعض من لا يقف مع مرسي بأنه يقف مع الكفار لأنها حرب على الإسلام! وقد سمعت مثل هذه العبارة من شخص تعرفه صالات القمار في فنادق القاهرة حق المعرفة!
لا تخف على الإسلام يا هذا، فالإسلام الذي لم يمت بموت صفوة الخلق لن يموت بسقوط حكم الإخوان.
وهذا لا يعني أننا نقف في صف العسكر أو أننا نؤيد الإنقلاب العسكري..
نعم لم نحزن لسقوط الإخوان وأيضاً لم نفرح بحكم العسكر، لكننا نحزن لإراقة دماء المسلمين وتفرق أمرهم وتشرذمهم وشيوع الفوضى في البلاد والذي بدأ مع بداية الخريف العربي ولن ينتهي بخير إلا أن يشاء الله.
ونحزن أيضاً لقتلى المسلمين في العراق والذين يموتون بمعدل 12 قتيل يومياً، لكنه بالنسبة لكثير منا ليس سوى مجرد خبر.
ونحزن لقتلى المسلمين في أفغانستان وهي أنفس تزهق وليست مجرد عدد.
ونحزن لقتلى المسلمين في اليمن وفي الصومال وفي مالي وفي كل مكان.. لكن هناك من لا يحزنه سوى موت صاحبه ومواليه.

خلاصة القول:
الخندق حفرة عميقة مستطيلة محصنة تستخدم في ميدان القتال.. ونحن لسنا في حرب مع بعضنا يا أخوان!

خير في بطنه شر

يسمّونها الزاوية الميتة؛ تلك الزاوية التي لا تستطيع مشاهدتها من خلال المرآة الوسطى بالسيارة، أو مرآة السائق الجانبية، ومكانها خلف الجانب الأ...