استكمالاً لمقال "سبعة نفر"
وبعد أن ثبت عقلاً، ورسخ واقعاً، أن المشاركة في الإنتخابات
القادمة لمجلس الأمة هي القرار الصحيح، وأن المقاطعة غلطة ومش ح تتكرر، يأتي الحديث
اليوم عن الإستعداد للمشاركة، ومن نختار.
قبل طرح الأفكار، واتخاذ القرار، علينا أولاً أن نحدد أولوياتنا
التي نسعى لتحقيقها من خلال ممثلنا القادم في مجلس الأمة.
بدايةً / ماذا ينقص الشعب الميسور الحال في بلد غني آمن؟
الإنسان بطبعه لا يشبع، ولا يَقنع، ورغم أننا نتمتع بكثير،
إلا أننا دائماً نرى أنه ينقصنا الكثير!
وبلا شك أنه ينقصنا كثير مما لا يُعتذر منه، لكنني اليوم
سأترك كل شيء وأركز على أولى الأولويات، والتي إن تحققت بالشكل الملائم فلا أعتقد بعدها
أن مواطناً يستطيع نقد الحكومة أو الحديث عن قصورها، وإشغال الشارع بالثانويات التي
لن تُعجز من يُقدّم الأولويات ويعمل على تحقيقها.
أولوياتنا باختصار هي مثلث الحياة، المتمثلة في السكن الكريم،
والتعليم المتطور، والرعاية الصحية الجيدة.
الثلاث المهمات اللائي لم يهتم بهن أحد!
تعهدت الحكومة بتوفير هذه الثلاث، وفعلت، لكن ليس بما يتلائم
وقدرات الدولة، ولا بما يرضي طموح المواطن، ومر عليهن نواب الشعب مرور حشمة، ثم سكنوا! وألحقوا أولادهم بالمدارس الخاصة برفقة أبناء الوزراء! وسافروا
لعلاج النشلة في الخارج!
لماذا لا تثار قضايا المهمات الثلاث وتولى إهتماماً بما تستحق،
أو على أقل تقدير بحجم الإثارة التي تصاحب قضايا المال، والحريات؟
هل تذكر أن نائباً على مدى العقدين الماضيين تبنى في برنامجه
الإنتخابي، أو جعل في أولوياته مكاناً للمهمات الثلاث؟
هل سبق وحشدوك في ساحة الإرادة لندوة عنوانها، أو مضمونها
المهمات الثلاث؟
هل تم استجواب وزير إسكان فشل في توفير السكن للناس قبل أن
يشيبوا؟
هل تمت مساءلة وزير تربية لتخلف التعليم؟ أو سألناه عن مُخرجات
الآيفون!
هل حمل أحد هم رداءة الرعاية الصحية؟
الجواب لا، جل برامج المرشحين، وندوات المتكلمين، واستجوابات
المراقبين، كانت تدور حول السرقات المالية، والكوادر، ونبيها خمس، وإزالة الدوانيات،
وعدد الدوائر، وثانوياتٍ تحاكي وتستدرج عاطفة الناخب البسيط للإستحواذ على صوته.
انتهى زمن الدقّة القديمة من المرشحين الفضايحيّة، والناخبين
المصدومين من المعلومة.
الآن نحن نمر في مرحلة الإستعداد للإنتخابات، وعلينا أن نفكر
بهدوء، قبل أن تبدأ ندوات المرشحين ثم نتوه في زحمة الصراخ والحديث عن الملايين المسروقة!
والفضائح! والمفاجآت!
دعونا نفكر، ماذا نريد؟ وكيف نختار؟ ومن نختار؟
نريد عقلاً يحدثنا عبر برنامجه الإنتخابي عن اقتراحات جديرة
بالدراسة، وخطط مقنعة، وحلول جاهزة للتطبيق، ونريد ناخباً يتابع نائبه، ويفرض عليه
ندوات دورية للمحاسبة.
وعند الإختيار احرصوا على الذي يحدثكم عن المهمات الثلاث،
وابتعدوا عن كل الذين يتحدثون عن السرقات والفضائح والأسرار.
اختاروا الذي يخاطب عقولكم، واحذروا الذي يطرب أسماعكم.
اختاروا الذي يبني، واتركوا الذي يحاول هدم بناء الآخرين.
اختاروا من يمثلكم لا من يمثل عليكم.
أعيدوا التفكير بمن يستحق الصوت، بدلاً من إعادة تدوير النائب
المستهلك صاحب الفكر البالي.
*
خلاصة القول:
للمهمات رجالها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق