"إذا رأيت الرجل يختزل الفساد في المال، فاعلم أنه يسعى إليه".
المرء ابن بيئته، يتأثر بمحيطه، وسلوك المجتمع من حوله، فيظهر ذلك في تصرفاته، ويستحوذ على اهتماماته، وينعكس حتى على أطفاله غير المدركين.
أب يسأل طفله الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره:
وش أحسن شيء في الدنيا؟ ماما أو بابا؟ فبماذا أجاب:
https://youtu.be/EI0Dd_dgSgs
*
زميل لي في العمل مدح جاره، النائب السابق في مجلس الأمة، فأثنىٰ على حسن خُلقه، وبشاشته، وتواضعه، ووقفاته، وفزعاته، وإلتزامه بالصلاة، حتى أن أصحاب الحاجات ينتظرونه عند المسجد القريب من بيته كل صلاة فجر، لعلمهم أنه لا يغيب عنها .. فجاءت مداخلة من زبون سابق لساحة الإرادة قائلاً:
"وش تنفعه صلاته وهو ناهب من فلوس الحكومة ملايين".
وأمامي أيضاً، قال أحدهم:
النائب فلان في منطقتنا، ما عمرنا شفناه في المسجد، فرد عليه زبون آخر:
"على الأقل يده نظيفة، ولا هو من ربع الإيداعات".
اللي يصلّي، ودمث أخلاق، وراعي واجب، وقايم بحقوق الناس، وكامل المواصفات، ينسفون كل خصاله، وأفعاله بتهمة التنفّع من مال الحكومة، والآخر يغفرون له خطاياه، ويتجاوزون عن جميع عيوبه، فقط لأنه نظيف يد، حسب معلوماتهم!
يستخدمون الدينار كوحدة قياس في تصنيف الناس.
يختزلون الفساد في الفلوس! ويختزلون الإصلاح في حماية المال العام، جهلاً، أو خبثاً.
الخبيث منهم يخاطب عاطفة الناخب، البسيط، اللاهث وراء المال، من أجل استدراجه، واقتناص صوته في انتخابات مجلس الأمة.
والجاهل منهم لا يعلم أن الفساد المالي يأتي رابعاً في ترتيب أنواع الفساد، وأولوية محاربتها.
الفساد العقدي هو الأخطر، ويأتي في المرتبة الأولى، لكنهم لا يفعلون حياله أي شيء، لأنه ليس من ضمن إهتمامات القواعد الإنتخابية، وبالتالي لا يعتبر مصدراً جيداً لكسب أصوات الناخبين، وكذلك الفساد الأخلاقي، لا يمكن لأي مرشح الإستثمار فيه شعبوياً، لشح زباينه.
أما الفساد الإداري، فيصعب على أغلب الكويتيين مجرد فتح بابه، والتطرق لمحاربته، لأن الأغلبية منغمسة في وحله، ومتنفعّة من استمراره.
لو أصلحنا ذواتنا، واهتممنا بإصلاح ديننا، وعقيدتنا، وصلاح أخلاقنا، وحاربنا الفساد الإداري في وطننا، لصلح مجتمعنا، ولما وُجد فساد مالي، لأنه سينتهي بصلاح ما قبله.
*
خلاصة القول:
الفلوس وسيلة، فلا تجعلوها غاية.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق