الزامل، فن شعبي جنوبي، وهو في الأصل رقصة حرب تؤدى لإشعال
الحماس في نفوس الرجال قُبيل القتال، وكم من شاب دفعته مثل هذه الرقصات إلى الموت ولم
يكن قبلها مقداماً، ولا شجاعاً، وربما لم يكن صاحب قضية، ولا له في العِير، ولا في
النفير!
في وقتنا هذا / كلمات مثل هذه الزوامل يكتبها شاعر لا يشارك
في حرب، ويروّج لها سياسي يبحث عن مغنم، ويرقص عليها غرٌّ متحمس لا يدرك حقيقة ما يحدث.
في عام 2011 عندما ثار الشارع اليمني بقيادة حزب الإصلاح
(إخوان) وحزب أنصار الله (حوثي) ضد علي عبدالله صالح، انتشر زاملٌ حوثي حماسي مجنون،
يقول:
ما نبالي ما نبالي ما نبالي
يا زعيم المافيا والبلطجية
يا وطن لك فدا روحي ومالي
مرحبا بالموت حيّا بالمنيّة
إلى آخر كلمات الزامل القاتل، والرقصة الحربية الحماسية التي
أثبت الراقصون عليها أنهم لا يبالون فعلاً، حيث واجهوا الموت، وحاربوا (صالح)، ونشروا
الفوضى، حتى استحل القتل بين أفراد الشعب الواحد، ورغم أنهم بعد ذلك صالحوا (صالح)،
إلا أن الفوضى ما زالت موجودة، والقتل مستشريًا!
في عام 2012 ومع ارتفاع وتيرة التصعيد في الشارع الكويتي
بين بعض الكتل السياسية والحكومة، انتشرت نسخة كويتية مقلدة لزامل الجنوب، تقول كلماتها
المقتبسة:
ما نبالي ما نبالي ما نبالي
ما نبالي يا وزير الداخلية
نكسر الخشم العنيد وما نبالي
مرحبا بالموت حيّا بالمنيّة
وما يضيع الجاهل ألا من عناده / إلى آخرها، وفعلاً ما يضيع
الجاهل إلا من عناده!
تماثلت الكلمات، وتشابهت الرقصات، لكن الفارق - وبحمد الله
- أن النسخة الكويتية مجرد أغاني، وطَرْقْ سوالف، وايصال رسائل!، وحماس محدود، فلا
المغنّي يريد أن يموت، ولا الحكومة تريد أن تقتل أحداً!
في تلك الساحة أتذكر أن أحد الدكاترة كان ينشد:
عدلوها بالإرادة لا تميل
صكوا الأكتاف لا يبقى شبر
هي ثلاث اللي تحل المستحيل
العزيمة و الإرادة و الصبر
لكنها مالت!
مالت لأن القضية غير حقيقية، والدكتور غير صادق، ولم يكن
ذا عزيمة، ولا يملك إرادة، وغير صبور، وفي الحقيقة أنه كان يبحث عمن يحقق له طموحه،
وينفذ أجندته بأرخص وسيلة، من خلال شحن الشباب، واستثمار حماسهم!
لكنهم - بفضل الله - لم يحققوا له ما أراد، حيث تنبهوا في
اللحظات الأخيرة، وتوقفوا عند الحد الذي تسيل بتجاوزه الدماء، فلم يرتوِ ذلك المتعطّش
الذي استمر في التنظير، والتهييج من خلف الميكروفونات.
في تلك الفترة راجت أيضاً مقولة حماسية أطلقها سياسي ثائر،
لكنه ليس بقاتل كراقص الزامل، ولا متعطَش كصاحبنا الدكتور، إنما كان مجرد سياسي، صاحب
قضية يعتقد بها، يدفعه الحماس، أراد حشد الناس على طريقته، فأطلق تلك العبارة التي
هي في الأصل بيت شعر غزلي! وليست زامل، ولا رقصة حرب، مما يكشف مدى نظافة سريرة قائلها،
وإن أخطأ الطريق، وإن جهل مدى خطورة اطلاق مثل هذه العبارات، ومدى تأثيرها في نفوس
صغار السن، وأيضاً خطورة إمكانية استغلالها من قبل خبثاء النوايا والأهداف المختلطين
بجموع الناس تلك الفترة، في تلك الساحات.
المقولة هي: أما نكون اللي نبي وألا عسانا ما نكون.
النائب السابق محمد هايف استشعر في حينه خطر انتشار ورواج
مثل هذه العبارات، والشعارات، وانبرى لاستنكارها من منطلق شرعي، وأيضاً سياسي، وتحدث
في أكثر من مناسبة موضحاً عدم جوازها شرعاً، كما بين رأيه فيها من الجانب السياسي،
ومدى خطورة انعكاسها على الشباب.
قبل أيام قليلة، أعاد النائب السابق محمد هايف الحديث عن
مثل هذه الشعارات، والعبارات، وضرب مثلاً للإستدلال بمقولة: "أما نكون اللي نبي
وألا عسانا ما نكون".
فغضب البعض، واستنكروا عليه التعرض للنائب السابق مسلم البراك
بحكم أنها تنسب إليه! وكأنهم يقولون: لا تنكر المنكر إن كان صاحبه مقدّرًا!
لا يا إخوان، الأمر ليس كما تفهمون، ومحمد هايف تحدث عن هذه
المقولة وشبيهاتها في فترة تواجده ومسلم البراك في كتلة الأغلبية، وكان ينكرها ثم يلتقي
مع مسلم في الإجتماعات، ومسلم يعرف محمد، ومحمد أدرى بمسلم، فاطلعوا منها أنتم، والأمور
طيبة..
محمد هايف يقول ما يتوجب عليه من منطلق شرعي قبل كل شيء،
وهو من أصدق القوم، وأكثرهم وضوحاً، وصراحة، ولا نزكيه على الله، وكلمة حق يغضب منها
أخ أو صديق، خير عنده من الدنيا وما فيها، ومن أن يُغضب الله بكلمة مداهنة يرضي بها
ابن عم، أو زميل حراك.
يا اخوان، محمد هايف لا يقصد مسلم، محمد هايف يتحدث عن قضية،
كما يخشى على الشباب الذي لم ينجحوا في أن "يكونوا مثل ما يبون" أن ينتهوا
إلى "عساهم ما يقومون"!!
محمد هايف يريد أن يقول لكم أن الذي لا يبالي بوزير الداخلية
لا يبالي بأمن الوطن.
وأن الذي يردد نكسر خشم العنيد غرٌّ يجهل من يقصدون بالعنيد،
وإن علم بمقصودهم فقد جهل معنى وخطورة ما يتفوّه به.
*
وللعلم يا اخوان / محمد هايف قال أيضاً ضمن كلمته الأخيرة:
"مشاركتنا مدروسة، وأمضينا 4 سنوات لنتخذ هذا القرار، وهي فترة كافية"، وربما
كانت هذه الكلمة رداً على الدكتور عبيد الوسمي الذي انتقد الراغبين بالمشاركة وبأنها
مشاركة غير مدروسة، فهل أغضبت كلمة محمد هايف الدكتور عبيد الوسمي؟ أو محبيه؟
الذي أعرفه أنها لم تغضب عبيد، وهو من القلة الذين لا يتحرجون
اطلاقاً من مخالفتهم الرأي، ويقبل الإنتقاد، ولا يشتكي شاتميه، وأنا أحد من يختلف معه،
وأرى أنه يتقبل ذلك مني، وكذلك علاقته بمحمد هايف علاقة وثيقة جداً، وما زالت / كذلك
أظن أن حديث محمد هايف لم يغضب مسلم، وإن كان قد غضب فنقول: يا بخت من بكاني وبكىٰ
عليّا!!
وبالمناسبة نسأل: هل كانت المقاطعة مدروسة؟!!
*
خلاصة القول:
يا عواطف، محمد هايف يخاطب العقول!
.