2014-09-04

التّلَفْ من رِفْقَةْ خلف

يُحكى أن عجوزاً تعيش مع إبنها الوحيد "المرجوج" في كنف شيخ قبيلة أشتهر بالكرم والفروسية في زمن الجوع والخوف.
جاءت هذه العجوز يوماً إلى الشيخ وطلبت منه أن يسمح لإبنها خلف ليكون جليساً له ويرافقه في مقانيصه، يخدمه ويتعلم منه ما ينفعه في حياته، فقد تجاوز عمره الـ 30 وهو لا يُحسن عمل شيء.
وافق الشيخ على طلب العجوز المسكينة رغم علمه بأن خلف "علّة كبد" ولا فيه صِرفه.
كان الشيخ على وشك الخروج للصيد كعادته كل صباح في موسم الصيد حاملاً صقره الحر حطّاب "عوق الخريش" ومصطحباً السلوقي الأثير لديه "خطّاب" والذي عُرف بأن الأرنب ما يمدي تمغط ظهرها عنده.
توجه الإثنان إلى حروة الصيد بعد أن أعطى الشيخ بندقيته لخلف وعلمه كيف ومتى يستعملها وشدد على خطورتها.
مرت ساعات دون أن يظهر أي صيد رغم وفرته في تلك الفترة، فقال الشيخ في نفسه "هذا أول التلف من رفقة خلف"!
بعد طول صبر لم يطقه خلف الذي أكثر من التململ والتحلطم، نفجت أرنب أمام الشيخ فانطلق السلوقي خطّاب دون إنتظار أمر الإنطلاق، وتبعه حطّاب في تغطية جوية، وما هي إلا ثواني وقد أصبحت الأرض أضيق من خرم الإبرة على الأرنب المسكين، حتى أتاه الفرج من حامل البندقية خلف المرجوج الذي أطلق النار عليه، لكنه أصاب الصقر! ثم أطلق أخرى فأصاب السلوقي! فانطلق الأرنب في أرض الله الواسعة أمام عيني الشيخ الذي توقف عقله عن التفكير وإنعقد لسانه عن النطق من هول ما رأى.
نظر الشيخ إلى خلف وأراد أن يبطش به، لكنه تذكر أمه المسكينة فكظم غيظه وأخذ البندقية من خلف، وعاد إلى أهله مهموماً ولم يصل إليهم إلا قبيل الغروب بلحظات وكان صائماً يومها، فباشر تجهيز قهوته التي اعتاد البدء بها قبل الإفطار وتدخين "السبيل" الذي جهزّه أيضاً، وكان قد عُرف عنه إدمانه عليه.
ذهب خلف إلى أمه وأخبرها بما حدث في المقناص فلامته، وطلبت منه الخروج على الفور والإعتذار من الشيخ والتخديم عليه وصب القهوة له، فانطلق إلى بيت الشيخ، وكانت القهوة على وشك أن تجهز.
أقبل خلف مستعجلاً يريد تقبيل رأس الشيخ والإعتذار منه فداس على السبيل وكسره، فصاح به الشيخ فعاد خلف إلى الخلف وسقط على وجار القهوة فنثرها!
فقال الشيخ: إنقلع، لا عاد أشوفك.
 
*
 
خلاصة القول:
ما خرّب الحِراك ألا خليف وأمثاله!
 
 *
---------------
الشيخ هو ساجر الرفدي العنزي.. وهذه هي قصيدته المشهورة في خليف:
 
البارحه يا خليـف عـزّي لحالـي
مضّيت ليلي بين سهري والأفكار
 
قالوا علامك قلت مما جـرى لـي
ياكن يوقـد بالضمايـر سنَـا نـار
 
مصايـبٍ مـا شفتهـا بالليـالـي
أربع مصايب صادفتني من الجـار
 
الأولـه حطـّاب يسـوى عيالـي
أشقر عديمٍ لابـرق الريـش نثـار
 
والثانيـه خطّاب مالـه مثـالـي
شرّه على تيس الجميله اليـا غـار
 
والثالثه سويـت بأصغـر دلالـي
وفاحت وخالطها مع الهيل مسمـار
 
والرابعـه عظـمٍ بتتـنٍ شمـالـي
وأفلست منهن عند حزّات الأفطار
 
تعاكست يا خليـف بـأول وتالـي
من خِلقت الدنيا فلا مثلهـا صـار
 
يـا ليتهـا بالقـومٍ وألا الحلالـي
أصبر على عسر الليالي والأمرار
 
العمـر يفنـى وآخـره للزوالـي
ولو طالت أيامك ترى الوقت غدّار
 
ما صرت أنا مهذا لكـل الرجالـي
ومضّيت عمري مع طويلين الأشبار
 
قدت السبايا مـع فجـوجٍ خوالـي
وكم خيّرٍ هدمت بيته علـى الـدّار
 
جيتـه بقـومٍ يبعـدون المـدالـي
سباع بـرٍّ فـوق نـزاع الأزوار
 
إلى توجهنا رخـص كـل غالـي
والفعل يظهر عند حتـات الأوبـار
 
واليوم يا رجال الشرف والمعالـي
مضّيت وقتي بيـن وردٍ ومصـدار
 
ما شفت مثل خليف قليـل والـي
من نشوة البدوان ما مثلهـا صـار
 
مقرود ما له يا فتى الجـود والـي
وزودٍ على قرده كـذوبٍ ومكـار
 
*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق