الدبلوماسية كلمة يختلف نطقها بحسب اللغة ومفهومها بحسب
الإستعمال، وهي كلمة يونانية في الأصل، انتقلت إلى اللاتينية واللغات الأوربية ثم
العربية، عرّفها البعض بأنها إستعمال الذكاء والدهاء والكياسة في إدارة العلاقات
الرسمية بين الحكومات، وعرّفت أيضاً بعلم العلاقات، وهناك من يعرّفها بفن
المفاوضات.
والدبلوماسية بالمفهوم الفرنسي تعني مبعوث أو مفوض، أي
الشخص الذي يرسل في مهمة، وهناك معنى لاتيني إستعمله الرومان يفيد عن طباع السفير
أو المبعوث وهو: الرجل المنافق ذي الوجهين! وهذا والله هو أنسب التعاريف وأقرب
المفاهيم لدبلوماسيتنا اليوم، والنفاق في اللغة العربية هو إظهار الإنسان غير ما
يبطن، ويقال أنه مأخوذ من النّافقاء وهو المخرج المستور أو الباب السري لجحر
الجربوع ويسمي بالعامية ( النطّوقه ) حيث يستخدمها الجربوع في الحالات الطارئة
للهروب من المهاجمين.
ولا شك أن تعامل الحكومات بالدبلوماسية فيما بينها أو بين
الحاكم والمحكوم أمر لابد منه لإستمرار العلاقات والبعد عن العزلة مهما بلغت شدة
العداء أو الخلاف، وهي دبلوماسية الشعرة التي إنتهجها معاوية بن أبي سفيان القائل:
لو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها، إن شدّو أرخيت وإن أرخو شددت.
في الكويت لم يتبق من يجيد التحدث بأي لغة من لغات
الدبلوماسية ولم تعد تستخدم أبسط مفاهيمها، فلا تظهر في تعاملاتنا الكياسة ولا
تأثير علم العلاقات، ولا فن المفاوضات، بل أن الأطراف كلها ترفض التفاوض من أصله،
حتى أنهم قطعوا شعرة معاوية، ليس فقط بين الحاكم والمحكوم، بل حتى بين فئات من
الشعب قبلت أن تكون تلك الشعرة بيد من لا يعرف متى يشد ومتى يرخي، مما جعل كثير من
خلافتنا تنتهي بالإقصاء والنبذ والعداوة.. وطخّـه وافضخ مخّـه.
ورغم ذلك فهناك فئة ما زالت تحتفظ بشيء من ريح الدبلوماسية
لدينا، لكنها وللأسف تتعامل بها وفق المعنى اللاتيني الذي إستعمله الرومان، فتظهر
غير ما تبطن، لها باب ظاهر للعيان، ولها عشرين باب سرّي للإستخدام عند اللزوم.
هذه الفئة منظمة جداً، تعمل بطموح وفق أجندة وتكتيك وخطط
ذكية مدروسة، يمثلها سفير لدى الحكومة، ومبعوث في نهج، وممثل في إئتلاف المعارضة،
وصوت في تنسيقية الحراك، وعين في حدم، وأذن في كل قبيلة، ومنتدب في كل شركة،
ومشروع في كل مناقصة، واستثمار في كل خير حكومي، وزكاة في كل بيت، وفي كل مكان لهم
موضع قدم على طريقة الخبـّاز اللي چنّـه مو لك!
لا ننكر قدرتهم على التنظيم، ولا نحجر عليهم طموحهم المشروع،
ولا نحسدهم الذكاء، لكن من حقنا إنتقاد دبلوماسيتهم الخادعة وأن نرفض مشاريعهم
الخاسرة وأن نتصدى لخططهم متى ما شعرنا بخطرها وضررها أو عدم ملائمتها لواقعنا
الذي نرتضيه لأنفسنا، خصوصاً عندما تمر هذه المشاريع على أكتافنا تسلقاً.
هي حدس أيها السـّادة.. حدس التي إستمرت بتحالفها مع
الحكومات الفاسدة المتعاقبة حتى آخر ليلة ظهر فيها ممثلها في الحكومة على شاشات
التلفزيون مدافعاً عن مشروع الداوكيميكال الخاسر في الوقت الذي كان فيه ريّس
الحكومة يوقع ورقة الطلاق من حدس.
حدس الصبيح حدس الشطي حدس البصيري حدس نورية حدس الصانع،
حدس محمد الدلاّل عضو مجموعة الـ 26 المطالب بتعليق الدستور، حدس التي وقفت ضد
مستحقات ومكتسبات الشعب فعاقبها من خلال صناديق الإقتراع في عام 2008 وأسقط كل
رموزها بإستثناء واحد عاد بوجه آخر وسياسة جديدة فكان المجدد الذي أعاد للحركة
مكانتها، وكان الباب السّري الذي دخلت منه إلى الحراك الشعبي، والشعرة التي أرختها
حدس حين شدّها الشعب فبقيت ولم تنقطع.
إنه جمعان الحربش الذي تضامن في كل مواقفه مع الحكومة في
مجلس 2006 مخالفاً لبعض قناعاته إطاعة وتنفيذاً لقرارات القيادات العليا في الحزب،
إنه جمعان الحربش ذا القبول الحسن والأدب الجم والذي يتمتع بذكاء حسي تفاعلي مكتسب
إستطاع من خلاله الوصول لمجلس 2008 ثم سارع بتكوين كتلة يستقوي بها بعد أن بات
ضعيفاً وحيداً، مستعيناً بزميله فلاح الصواغ، ومستنداً بظهره إلى نائب بحجم
الدكتور فيصل المسلم الإضافة الأهم في هذه الكتلة، ودعم غير متوقع من خصم الأمس
النائب المخضرم وليد الطبطبائي الذي إكتشف لاحقاً أن تحالف الحربش معه مرحلي حيث
تم الإستغناء عنه في أول فرصة بعد النصر الكبير والعودة الكاسحة لمرشحي حدس في
إنتخابات فبراير 2012 ومن ثم العثور على حليف جديد – إختارته حدس بعناية – هي كتلة
العمل الشعبي التي أخطأت في قياس الأمور وكان تحالفها ردة فعل لم تبنى على أسس
واضحة لذلك قد لا يستمر هذا التحالف طويلاً حين تكتشف حشد أن حدس مخٌ يبحث عن
عضلات.. .
****
خلاصة القول: حبال حدس ممدوة للحكومة وجمعان الحربش شعرة لم تنقطع مع الشعب
الذي قد يلدغ لمرة ثالثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق