قبل 200 سنة، كان الوضع في نجد، وفي الجزيرة العربية بشكل عام، مغازي، وحنشلة، ونهب، وقطع طريق، آخِذ، وماخوذ، وتفاخر بالقتل، وإلقاء الجثث للذئاب، وللنسور والعُقبان، وتوثيق للجريمة بالقصائد، والروايات المتناقلة بين الناس.
لو تواجد أحدنا في تلك الحقبة الزمنية، فإنه لا يملك إلا أن يكون ابن بيئته، يتأقلم معها، ويندمج في ذاك المجتمع، يمارس سلوكياته، ويتقيّد بأعرافه، ويتعايش مع الجو العام السائد، فيكون فارساً قاتلاً، أو حوّاف ليل، أو قاطع طريق، أو شاعر يعزّز بنظْمه، ورجزه، لأفعالٍ تخالف الشرع، والفطرة السليمة، والعقل، والإنسانية.
لماذا يفعلون ذلك؟ أليسوا مسلمين؟ ألا يعلمون أن فعلهم ذلك حرام؟ أليست لديهم عقول؟
بلىٰ، مسلمون، ويصلّون، وموحّدون في الغالب، ولديهم عقول، ومراجل، ومكارم أخلاق، وشرف خصومة، وصفات حميدة كثيرة، لكن كل ذلك لم يُسعفهم للتحرر، والخروج من الجو العام، الطاغي، الذي وجدوا أنفسهم فيه.
ما الذي جعلنا اليوم نقيّم تلك الحقبة، بكل وضوح، ونتفق أن أفعال أجدادنا تلك مُنكرة، ومحرّمة، ونرفض المضي على دربهم؟ ربما العلم، والدين، والقوانين التي تفرضها الحكومات، لكن هناك سبب آخر مهم، وهو أننا خارج دائرة جوهم العام، متحررين من أعرافهم، لا نخضع لضغط مجتمعاتهم، وسلوكياتها، وهذا ما يجعلنا نشاهد الأمور على حقيقتها، ونحسن تقديرها.
في وقتنا الحالي، بين فترة وأخرىٰ، تطرأ قضايا جدلية، وسجالات سياسية، بسببها يتكون جو عام، يتأثر به كثير من الناس، ويندمجون في أحداثه، وتفاصيله، ويبالغون في ذلك، حتى يخيّل لهم، أن تلك القضية هي محور الكون، ومفترق الطرق، وتقرير مصير، وأنه لا يمكن تجاوزها، إلا بكذا، وكذا، ولو أن المدرك منهم، خرج من الدائرة قليلاً، ونظر بعين عقله، وتبصّر، وتحرر من ضغط مجتمع الدائرة، وافتك من شر اللي يعزّزون له، لشاهد الأمور على حقيقتها، وعلم أن الكون فسيح، والطرق سالكة، وأن الناس بخير، ولعرف أن السّعة زينة، وبالتأكيد سيكتشف حينها، أنه كان معيّش نفسه في جو كذّاب! ومصدّق حاله!
المهم، هذه الحقبة التي نعيشها ستمضي، وتنتهي، وقد يتحدث عنها أحفادنا، كما تحدثنا نحن عن حقبة أجدادنا، فلنحذر أن يكتبوا عنا: ألم تكن لهم عقول؟!
*
خلاصة القول:
اخرج من الدائرة المغلقة، وانظر حولك.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق