في فترة الـ٧٠ــيـات انتشرت ظاهرة المذاكرة ليلاً تحت الشبّات،
على جوانب الشوارع العامة، ربما بسبب ضيق البيوت، وربما كانت هبّة، المهم أنه كان منظراً
مؤلوفاً حينها.
في تلك الفترة كنت في المرحلة المتوسطة، وكان هناك مدرس لغة
عربية يعتقد أنني من المميزين، وكان ينصحني:
"لا تذاكر مع أي أحد، لا تذاكر إلا مع واحد تستفيد منه".
*
خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت مصطلحات عميقة، وعبارات
رنّانة، وكلمات فيها سجع ولها وقع، راجت، وانتشرت، وتكرر التلفظ بها على ألسنة بعض
الشباب، وبعض المتحررات من النساء، وكنت أسأل بعض المتفوهين بها عن حقيقة معناها، أو
مغزاها، ومدى اعتقادهم بها، فلا أجد اجابة واضحة منهم، وانتهيت إلى أنها مجرد أقاويل
لا تجاوز حناجرهم، سمعوها من سياسي أطلقها اعتقاداً، أو خبثاً، أو حتى من قل معرفة،
ثم رددوها من بعده ثقةً بما يقول، أو اتّباعاً، أو ربما اعجاباً بلحنها، ورنّتها!
إن كنت ممن ردد هذه المصطلحات، أو ممن تأثر بتلك العبارات،
ودغدغته كلماتها، فتعال معي نذاكر سوى، فأطرح ما انتهى إليه فهمي لها، وأستمع إلى مفهومك
لها، فنقارب، ونسدد، ثم ننظر بعدها هل من نقطة نلتقي عندها، أم ننتهي إلى مرحلة فارقني
وأفارقك؟!
أول تلك المصطلحات هي عبارة:
"الشعب مصدر السلطات"
هذه المقولة تُقرأ بالتفخيم! وتملا فمك حين تنطقها!
هي مستخلصة من المادة 6 من الدستور الكويتي وورد فيها:
"نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات
جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور"
الذي أفهمه هنا أن سيادة الأمة تكون وفق ما أقره الدستور
بمواده، وتشريعاته، ويكون الشعب ممثلاً بنواب منتخبين يمارسون تلك السيادة تحت قبة
البرلمان، لا من خلال الشارع، وتويتر، والمقلّط!
*
المقولة الثانية هي:
"نحن شركاء في الحكم والمال"
عرفت مما قرأت في المادة 4 من الدستور أن الكويت إمارة وراثية
في ذرية مبارك الصباح، وهنا أفهم قانعاً أنه لا يمكن أن أكون شريكاً في الحكم، ولا
أُنازع الأمر أهله، كما أنني لست شريكاً في المال بمفهوم "عطوني نصيبي من النفط"
و"تعالوا نتحاسب". إنما لي نصيب من رعاية الدولة بما يكفل لي العيش الكريم،
ولوازمه!
*
ثم نأتي إلى مقولة "الحقوق تُنتزع".
وهذه العبارة لا ينطقها قائلها إلا وهو ينزر، ومعقّد حجّانه،
ومحمّر عيونه! على طريقة "نجيبها من ورى خشمك"، مما أوحى إلي أن المقصود
بها ليس أخذ الحقوق بقوة القانون، فذهبت إلى ذلك المعنى الذي وجدته في معجم المعاني:
نزع الشجرة أي اقتلعها، ونزع النقود أي سلبها قهراً.
*
والآن نأتي إلى بدعة "جياع كرامة"
وهذه من الصعب جداً أن أذاكرها مع أحد ممن أعرف، فكل من حولي،
وكل من أُجالس، وكل من صادقت، وزاملت، يعيشون معززين، مكرمين، حتى أن أحد أكبر المناضلين
المناهضين للدولة كان يقول: الحمد لله أنا في الكويت أقول اللي أبي، وأروح أنام!
وأفهم هنا أن وضع الكرامة عندنا "فوق حد الشبعة"،
فمن ذا الذي يدعي جوع الكرامة؟؟
*
ونختم بجملة:
"أنت مع الحكومة أو مع المعارضة"
هنا نحتاج لتفصيل ومعرفة من المقصود بالحكومة، هل المقصود
صاحب السمو؟ لا طبعاً، فالكل مع الأمير وله البيعة، ونحن حرّاس قصره.
هل المقصود رئيس مجلس الوزراء؟ لا أعتقد كذلك، لأن أصحاب
مقولة "أنت معنا أو مع الحكومة" على علاقة طيبة مع جابر المبارك، وكان هناك
توافق واتفاق واضح بين الطرفين!
هل المقصود بالحكومة هنا الوزراء؟
لا أظن، فالوزراء مجرد عابري سبيل!
ثم من هي المعارضة التي تريدنا أن نكون معها ضد الحكومة؟
هل هي مجموعة ائتلاف المعارضة التي انسلخت منها حدس، وهجرها
المنبر الديموقراطي؟
أم هي الأغلبية التي تضم محمد هايف، والمناور، ومطيع، الخ
الذي توصل إليه فهمي من خلال متابعة الشأن السياسي أنه لا
يوجد لدينا شيء اسمه معارضة، إنما كان صاحب هذه الجملة يهدف إلى تصنيف الشعب إلى فريقين،
ويريدك أن تكون تبعاً له ضد أي أحد بصفته وصياً على ذلك المصطلح الوهمي.
*
المهم، تعال نذاكر سوىٰ، ودعني أستفيد منك، وأخبرني هل تعتقد
فعلاً أنك مصدراً للسلطات! وشريكاً في الحُكم! وخشير في المال!
*
خلاصة القول:
هذا هو فهمي، فقل لي: وش مفهومك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق