2015-02-04

الدِّيشْ وأكابر قريش

1*
عمرو بن هشام المخزومي؛ سُمّي أبا الحكم لحكمته ورجاحة عقله، وكان ذلك سبباً في دخوله دار الندوة وهو في الـ25 من عمره، ومن المعروف أن دار الندوة كانت مقتصرة على أصحاب الرأي والقرار من حكماء وأكابر قريش ممن تجاوزت أعمارهم الـ50 سنة. / مات كافراً!
2*
عتبة بن ربيعة؛ أحد سادات قريش الذين كان يرجىٰ إسلامهم لما تميز به من رجاحة العقل، كان رزيناً، مدركاً، يقيس الأمور بميزانها الصحيح، قال الرسول صلى عليه وسلم: إن كان في القوم خير فصاحب الجمل الأحمر، يقصد عتبة بن ربيعة. / مات كافراً!
3*
الوليد بن المغيرة؛ من أغنى أغنياء قريش وأكثرهم سخاءً، كان يطعم الحجيج لأربعين يوماً متصلة، يذبح لهم في كل ليلة 10 من الإبل، وكان يكسو الكعبة عاماً والقبائل مجتمعة تكسوها عاماً، فسمّي بالوحيد. / مات كافراً!

رجالٌ نالوا شرف النسب، وعلو الشأن، وارتفاع القدر والمنزلة، وتميّزوا برجاحة العقل، وسداد الرأي، والدهاء، والعبقرية، والبلاغة، ولم يكن فيهم جبان ولا بخيل.
تجاوزت شهرتهم حدود بلدهم مكة إلى أقاصي جزيرة العرب، ووصلت إلى بلاد فارس وبلاد الروم، في زمنٍ كانت الشهرة فيه بالأفعال لا بإفتعال البطولات أو بعدد الفلورز!
6*
الدّيش بن لُحيج؛ نكِرة ويقال أنه من قريش، تخصص بالقيل والقال.
والآن يحضر السؤال!
كيف غابت هذه العقول عن إدراك الحق؟
كيف لم يسعفهم إتزانهم وعقلهم الراجح في معرفة الحقيقة؟
كيف كفروا بالله الخالق، وكذّبوا ما أُنزل عليهم من القرآن على لسان أصدق قريش وأمينها؟  
ألم يتفكّروا؟ بلىٰ!
قال تعالىٰ:
"إنه فكّر وقدّر، فقُتل كيف قدّر، ثم قُتل كيف قدّر، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر".
كانوا يملكون العقول، لكنهم ضلّوا، وأضاعهم الجهل، والإستكبار، والحسد، وحب الرئاسة.
فَقَدَ عَمرو بن هشام حكمته فصار أبا جهل، وهلك عتبة والوليد كافرين، أما أبو سفيان وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما - فقد إحتاجا إلى 20 عاماً لإتخاذ القرار الصحيح وإختيار طريق النجاة، فأفلحا وإن كان متأخراً.
وأما الدّيش بن لحيج فكان يقول: "أنا تبع لسادات قريش أعبد ما يعبدون، وأكفر بما يكفرون"، فعاش إمّعة / ومات كافراً.
والآن يحضر السؤال الثاني:
لو عشت في ذلك الزمان وكنت أحد أفراد قبيلة قريش بداية الدعوة، فمن ستكون؟
قد تكون سيّدهم... فتستكبر،
وقد تكون حكيمهم... فتجهل،
وقد تكون داهيتهم... فتضل،
وربما كنت أحقرهم فتعيش تابعاً وتموت ضالاً...
وقد يوفقك الله سداد الرأي وطريق الصواب فتهتدي مع القلّة السابقين للإيمان.
اليوم / ونحن في السّعة و"في البراد" نقرأ كتب التاريخ ونتسائل باستغراب: كيف كفروا بالله، والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يرشدهم طريق الهداية؟!
وفي الحقيقة لو أننا كنا معهم لكان كثير منا أبو جهل وأكثرنا الدِّيش بن لُحيج!
فالحمد لله الذي فطرنا على الإسلام ولم يكلنا إلى عقولنا القاصرة التي تعجز اليوم عن التفريق بين الحق والباطل رغم أننا وُجِدنا في زمنٍ قد لا يعذر فيه أحدٌ من جهل.
*
خلاصة القول:
يا علي لا جيت العرب لا تجي ديش!
*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق