على الساحة المحلية السياسية كان هناك فريقان؛ فريق الحكومة ومن والاها، وفريق المعارضة ومن أيّدها، وبينهما متشابهات!
قبل سنوات
قليلة انشقت كتلة سياسية موالية للحكومة وانضمت إلى المعارضة لأسباب ظاهرها
الإصلاح وباطنها مسايرة الرغبات الشعبية من أجل استرجاع المقاعد البرلمانية
المفقودة بسبب إفراط هذه الكتلة بالموالاة وتفريطها بمستحقات ومكتسبات الشعب الذي
عبر عن غضبه من خلال صناديق الإقتراع حين أحجم عن منح صوته لمرشحي تلك الكتلة فنتج
عن ذلك سقوط مدو لكتلة الموالاة وتقلص عدد مقاعدها في البرلمان إلى مقعد واحد فقط.
هذه الكتلة انشقت عن الحكومة برلمانياً فقط، فيما استمرت قياداتها في مناصبها الحكومية
المرموقة ذات النفوذ الممتد والمتجذر في جميع وزارات الدولة والمؤسسات التابعة لها.
الكتلة هي
حدس وكان ذلك تحديداً في إنتخابات 2009 وكنت قد تحدثت عنها في مقال بعنوان: حدس
وشعرة معاوية
http://justideaq8.blogspot.com/2013/04/blog-post.html?m=1ابريل 2013
أثناء ذلك
كان عدد من كوادر حدس قد أعلنوا انفصالهم عن حدس الأم في تصريحات ومقالات متزامنة
قبل حل مجلس 2006 بفترة بسيطة وبعد إقرار النظام الإنتخابي الجديد بـ 5 دوائر غير
عادلة و4 أصوات غير دستورية.
انتهى حراك
المطالبة بتغيير الدوائر ليبدأ حراك (إرحل يا ناصر)، وبين هذا وذاك وخلالهما وبعدهما
حِراك مطالب وزيادات رواتب وكوادر وحقوق ومكتسبات وحريّات.
وقد لفت نظري
حينها أمران، الأول تشكّل لجان وحركات شبابية تتصدر هذا الحراك وتكون بقيادة أحد
كوادر حدس المنشقين (شكلاً) عن الحركة، والأمر الآخر أن هناك من كان يسعى دائماً
لاستمرار الحراك والحفاظ على سخونته رغم انتفاء أسبابه (المعلنة) في كل مرة،
وكأن الهدف الإبقاء على التوتر والتصعيد والتواجد المستمر في ساحة الإرادة، حتى
باتت ساحة الإرادة وساحة قصر العدل منبراً سياسياً وملتقىً اجتماعياً وعكاظاً يشد
الشباب الرحال إليه كل ليلة ويعودون بحكايات يسردونها بنشوة نصر سمعنا عنه ولم
نره، حتى أن أحدهم قال لي مرة: إذهب إلى هناك لتشم رائحة الحرية! وأمور كثيرة
مشابهة كانت في حينها في نظر أهلها أشبه بالأعمال البطولية الجليلة، ثم انزاح
العسام ولم نجد من ذلك شيئاً.
والحمد لله أن منصة رابعة قد أبتدعت بعدنا وإلا كنا قد جعلنا في ساحتنا
رابعة.
المهم أن انضمام حدس للمعارضة وتسليم زمام قيادة الكتل والحركات الشبابية الطارئة بيد كوادر
حدس أخرج المعارضة إلى الشارع وأبقاها فيه، حتى أن بعض المتحمسين طرح فكرة غبية لم
يكتب لها النجاح والحمد لله وهي "المبيت"!! وش مبيته يا حجّي؟
انتشرت ظاهرة
الإعتصام والمظاهرات للمطالبة بالحقوق والمكتسبات التي لم تمانع الحكومة الضعيفة -المِخملة- من الرضوخ للمستحق منها وغير المستحق نزولاً عند ضغط الشارع، بما في ذلك
التخلّي عن ناصر المحمد وهو الإنجاز المهم الوحيد الذي تحقق نظراً لإجماع الشعب
عليه كمطلب لا خيار فيه في تلك الفترة التي راجت فيها شعارات ومصطلحات جديدة مثل
شعار الحقوق تنتزع، وتقليعة جياع كرامة، وعبارة غريبة هي الأكثر إنتشاراً وهي
(الأمة مصدر السلطات) والتي كنت أظن أن لها مفهوماً واحداً فقط وهو أن التشريع
يكون تحت قبة البرلمان من خلال الأعضاء الذين تنتخبهم الأمة، لكن يبدو أن هناك
مفهوماً آخر مغلوطاً يردده البعض دون أن يعي معناه.
ذهب بعض
أصحاب المطالب الصادقة إلى هناك، وتواجدوا بشكل دائم، لكن لم يكن لهم نصيب في
إدارة الحراك -وإن ظنوا-، فكانوا مجرد ضيوف وسواد حضور يباهي به عريف الحفل
وسائل الإعلام -ويزيد من عنده شوي-
كانت القيادة
لمن يملك المنصة ويستحوذ على الميكروفون الذي قدّم رانيا وآخرين على حساب نواب
المواقف السابقين وأصحاب الرأي الصادقين والنشطاء المخلصين.
أثناء ذلك
أيضاً زاد عدد الحركات الشبابية وفي كل حركة هناك حدسي سابق، ثم تشكلت نهج
والأغلبية البرلمانية، ثم أطلقوا المقولة الخالدة: لازم نسمع راي الشباب!
ومن هم
الشباب؟ شباب الحركات الثمان التي تشكلت في يوم وليلة، وجلهم من شباب حدس
المعلومين والمتسترين والمنشقين، بالإضافة إلى بعض الأسماء المحسوبة على الفكر
الليبرالي والكتل والتيارات والأحزاب القديم منها والجديد، كما انضم إلى الحراك
كثير من المتسلقين أيضاً حتى أصبح الحراك كالباص الوحيد الذي يقود إلى محطة يريد
الجميع الوصول إليها فتزاحم الراكبون والمتشعبطون واختلطت مطالب الحراك باختلاط
غوغاء الناس ومطالبهم المختلفة المتنافرة، فلا يدري أحد إلى أين يسير، لكنهم
بالتأكيد يتفقون على أمر واحد وهو أن الخصم واحد!
كنت أستحضر
تجربة الأفغان في بداياتها وأرى رأي العين نهاية الحراك السياسي الكويتي الذي رفضتُ المشاركة فيهم مرتين من خلال دعوات وجهت لي للإنضمام إلى إحدى الحركات الشبابية
وكان من ضمن العرض المقدم أن تهيء لي مساحة كافية للتحدث ومخاطبة الجمهور من خلال
منبر ساحة الإرادة الذي مُنع منه كثيرون أجدر مني.
وقد أخبرني نائب معارض سابق أنه لم يسمح له بالحديث ولو مرة واحدة رغم
تواجده في كل المناسبات.
*****
والآن.. ماذا بعد؟
الكل يتساءل:
ما هي الخطوة القادمة..؟ لكن المعنيين بالأمر لا يملكون إجابة رغم تكرار هذا السؤال
عليهم، خصوصاً وأن فئة منهم انشغلت بحراك مصر عما سواه في خلطٍ للأولويات أو ربما
كشفٍ لها.
عموماً.. أنا
أيضاً لا أملك إجابة، لكنني أقدم نصحاًً:
أولاً: الإعتراف بالخطأ
ثانياً:
تفكيك إئتلاف المعارضة
ثالثاً: مخاطبة العقول بدلاً من العواطف
رابعاً:
معاملة الحكومة كدولة صديقة!
خامساً: لا تنقل الخِرج وفـ الخِرج حيّة
*****
خلاصة القول:
الحراك كان يتنفس أخطاء الحكومة..
فلما توقفت عن الخطأ مات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق