2018-10-22

الثلاثة المكاسيـر

يقول الراوي / في أحد المستشفيات، وبينما الطبيب في جولته الإعتيادية الصباحية يمر على المرضىٰ في جناح العظام، إذ لاحظ 3 أشخاص إصاباتهم متشابهة، وقد كسىٰ الجبس كامل أجسادهم باستثناء وجوههم المليئة بالخدوش، وأكبرهم سناً يضحك ساعة، ويبكي ساعة! فاقترب منه الطبيب  يسأله عن حاله وحال أصحابه، وسبب تقلب عواطفه بين الضحك والبكاء، فقال المريض الكسير:

ألم تعرفنا ؟ أو تسمع عنا؟

قال الطبيب : لا

قال: أنا سعد مرزوق، وهذان هما أولاد أختي، ناشط، و لاشط، وحكايتنا مضحكة، مبكية، فإن كان لديك وقت كافٍ سردتها لك، قال الطبيب: إن كانت طويلة فلا وقت لدي، لكنني سآتيك ليلاً حيث موعدي مع الخفارة هذه الليلة.

قال سعد مرزوق: بالتأكيد، ستجدني بانتظارك :)

وفي الليل جاء الطبيب إلى سعد وكله فضول لسماع حكاية الثلاثة المكاسير، وقال على الفور: إهرج يا سعد.

قال سعد:

لقد كنت صديقاً لمحافظ بلدتنا، أنهل من خيره، وأستفيد من وجاهته، وكنت أتوسط لخاصتي من الناس عنده ليقضي حاجاتهم، ويوظف أولادهم، وكان يفعل ما أطلبه، في مقابل أن أضمن له سكوتهم، وعدم تأليب الناس عليه، أو تحريض الحكومة، حيث كان يقتطع من أراضي البلدة لنفسه، ولأقاربه، ويشارك الناس في تجاراتهم مقابل تسهيل أمورهم، الخ.

في يوم من الأيام أصبحنا على خبر موت صديقي المحافظ، وعيّنت الحكومة محافظاً آخر مكانه، حاولت توطيد علاقتي مع المحافظ الجديد، لكنه كان محاطاً ببطانة سيئة لم تسمح لأحد من الإقتراب منه إلا بشروطها، فحرمت الخير الذي كنت أناله، فنقص مالي، وذهبت وجاهتي، وتفرق الناس من حولي، فلم أعرف ما أصنع!

هل أقبل بشروط بطانة المحافظ، وأرضى بالقليل، وأكون تحت تصرفهم؟ أم أبتعد

وبينما أنا بين رأي ورأي إذ جاءني ناشط، ولاشط، وقالا: أبعد السلطة والنفوذ تخضع لأمثال هؤلاء؟!

انس ما كان، وتعال معنا نشتغل أحراراً، وعرضا عليّ أن أدخل معهما في مشروع زراعي، فترددت، لكنهما أقنعاني بنجاح المشروع، فوافقت على مضض، وبنصف ما تبقى معي من مال اشتريت بذوراً، فزرعناها في أرضٍ لي، لكن الله أراد أن يكون ذلك الموسم قحطاً، ولم تنزل قطرة ماء واحدة، فخسرنا مشروعنا.

ثم اقترح علي أبناء أختي مشروعاً آخر، بأن نشتري غنماً ونسمنها، ثم نبيعها قبيل عيد الأضحىٰ، فوافقت مكرهاً، ودفعت لهما النصف الآخر من المال، فاشترينا به 100 رأس من الغنم، لكن مرضاً أصابها فماتت كلها قبيل العيد بأسبوع!

فضاق بي الحال أكثر، وفكرت ماذا أفعل، وكيف أعوّض خسارتي بتجارة لا تمرض، ولا تُسقىٰ، وأصبحت ألوم ناشط ولاشط على ما أوصلاني إليه، فقالا لي: التجارة ربح وخسارة، وليس أمامك إلا أن تبيع أرضك الزراعية، وتشتري محلاً في السوق.

وافقت أيضاً على مقترحهما، فبعت أرضي، وبحثت في السوق عن محل أشتريه فما وجدت إلا واحداً في طرف السوق، وكان مغلقاً، ويجلس أمامه رجل ذو هيبة، سألته إن كان المحل للبيع، فقال: هو كذلك، ففرحت، واتفقت معه على السعر، ودفعت نصف ما معي على أن يُحضر المفاتيح من الغد ويسلمني المحل.

ولما كان من الغد حضرت في الموعد فوجدت المحل مفتوحاً وفيه شيخ كبير يبيع بضائعه! فقلت إني اشتريت هذا المحل بالأمس من صاحبه! فقال الشيخ: لا صاحب للمحل غيري، ولم أحضر بالأمس لوعكة ألمت بي.

قال سعد: سألت أصحاب المحلات من حوله عن صاحب المحل، فقالوا: لا نعلم له صاحباً غير هذا الشيخ، وقد نُصب عليك!!

قال الطبيب وهو يضحك: وما علاقة هذه الحكايات بما حل بك أنت وبنيخيك؟

قال سعد: حين ذهب كل مالي، وعرفت أنني منحوس ولن أفلح بتجارة، قلت لناشط ولاشط لم يتبق لي إلا طريقة واحدة لأستعيد مالي، قالا: وما هي؟ قلت: نقطع الطريق على زوّار المحافظ الجديد حيث قصره في أعلى الجبل، وكل زواره أغنياء، فوافقا على الفور، وأحضرا رشاشين ومسدساً.

وفي أول محاولة لقطع الطريق أوقفنا سيارة جيب لاندكروزر حديثة فيها شخص وحيد، وضعت المسدس على رأسه وأخبرته أنه مخطوف، فقاد السيارة وزاد من السرعة، دون أن يتحدث بشيء!

وأثناء ذلك رن هاتفه الجوال، فقلت له: رد، وقل لأهلك أنك مخطوف، وأننا نطلب فدية مليون دينار أو قتلناك.

فتح المخطوف الجوال وقال مخاطباً المتصل:

حياك الله يا أبا البراء، باقي كيلو واحد على منزل المحافظ ، وإن شاء الله ستسمعون صوت الإنفجار، وستفرحون بمقتل المحافظ الكافر ومن معه!! الموعد الجنة 😎

انصدم سعد مرزوق وقال: ايش تقول أنت؟

قال المخطوف : أنا انتحاري، والسيارة مفخخة بـ طن من المتفجرات، وأنا لابس حزام ناسف، وأي حركة ستنفجر السيارة، وهذا إصبعي على الزر.

صاح سعد: طيّب نزلنا وكمّل طريقك، خلاص ما نبي نخطفك!

قال الإنتحاري: لا، ما عاد هو بكيفك، ولا فيه مجال أوقف، كل شيء محسوب بالوقت، وإن شاء الله أنتم رفقائي إلى الجنة!

قال سعد: قلنا بصوت واحد أنا ولاشط وناشط، ما نبي جنتك، بس اتركنا نعيش، وقمنا نتوسل إليه، ونقبل رأسه، ويده، وزاد صراخنا، وارتباكنا، فقال: 

خلاص خلاص، سوف أسمح لكم بالنزول من السيارة، لكنني لن أتوقف، فاقفزوا من السيارة، وبدون تردد، قفزنا من السيارة وهي بسرعة 160 كم، وما أفقنا إلا في المستشفى، وحالنا كما ترى، وهذا الذي يضحكني ويبكيني، فالنحس يلازمني في كل ما أقوم به منذ حُرمت من منفعة المحافظ!  ليتني ما طاوعت هـ الإثنين !

*

وأبد سلامتكم، بس تذكرت النواب اللي كان لهم صوت وصيت ووجاهة، ولهم درب على الحكومة، يوظفون، وينقلون، ويفرزون، ويدخّلون طلبة ضباط، ويسفّرون علاج بالخارج، واليوم لا هذي ولا ذيك، ضاع كل شيء، لأنهم شاوروا من ليس في بيته دقيق، فوصل بهم الحال إلى الركوب مع الإنتحاري!

عسى الله يجبر كسرهم 🤓

خلاصة القول:

من طاوع الجهّال يصبر على اللوم!


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق