عندما سلّم الإمام عبدالله بن سعود نفسه إلى إبراهيم باشا
القائد العثماني تم إقتياده ومن معه عبر الصحراء تمهيداً لإرسالهم إلى القاهرة ومن
ثم إلى إسطنبول لإعدامهم.
كان مع الإمام عبدالله مرافق ذو فطنة وفراسة يقال له ونـيـّـان.
وعند مرورهم ليلاً بسلسلة جبلية وعرة التضاريس أخذ ونيـّـان
يسرد على الإمام قصة، بقصد تهريبه من الجيش.
كان يخاطبه بلهجته البدوية التي لا يفهمها الأتراك ويقول:
هاك السنة وحنا قنوص حول هـ الضلعان الطويلة
ونشوف هاك الظبي ونطرده نبي نذبحه، لكنه زبن للضلع وعجزنا
عن لحوقه وسلّمه الله، وأشار برأسه إلى الجبال.
لم ينتبه الإمام عبدالله لمقصد ونيّان، وعندما تجاوزوا ذلك
المكان وتوقفوا للإستراحة، لام ونيـّان الإمام عبدالله لعدم هروبه بالصعود للجبل والتحصن
به كما لمّح له، فقال الإمام: "فاتت يا ونيـّـان"
لأنه لم يفهم المغزى إلا بعد أن فاتت الفرصة، ومثل هذا النوع
من الفرص لا يأتي إلا مرة واحدة.
تم إعدام عبدالله بن سعود وكانت نهاية الدولة السعودية الأولى،
لكن ما لبثت أن ظهرت الدولة السعودية الثانية على يد تركي بن عبدالله.
*
على ساحتنا السياسية المحلية سنحت عدة فرص ذهبية للمعارضة
للعودة والمشاركة والتواجد السياسي والتحصن، لكنها فاتت جميعاً لأن أئمة المعارضة لم
يفهموا مغزى حكاية ونيّان، ولم ينتهزوا الفرص التي لن تتكرر، فانتهى بهم الأمر إلى
الإعدام.. السياسي.
مضى عامان على المقاطعة وإخلاء الساحة للحكومة، ولا نبض في
عروق أغلبية فبراير 2012، ولا صوت لائتلاف المعارضة، ولا بوادر لإنعاش معارضة حدس،
ولا حشود لحشد، ولا حس أو خبر لبقية الكتل المتناثرة هناك وهناك ممن ركبوا موجة المعارضة
الإستثنائية.
لا خطط، ولا برامج، ولا مبادرات، ولا أمل يلوح في الأفق.
وكيف يكون هناك أمل وأحد رموز المعارضة يُسأل عن الحلول وإلى
متى نستمر على هذا الحال فيجيب:
حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا!!
أتدرون ماذا يعني؟
أن يموت الأمير ويأتي من بعده حاكم يلغي المراسيم ويعدّل
القوانين بحسب أهواء الحالمين! وكأنه لا يعلم أن سياسة الدولة لا تتغير بتغير الأشخاص.
هذا المعارض وكل من يحمل مثل هذا الفكر ليس سوى شخص في خصومة
مع آخر، ولا علاقة بالعمل السياسي بما يقول أو يخطط.
العمل السياسي ليس أمنيات ولا "دعاوي عِجْزْ" وانتظارٌ
لقدر الله.
العمل السياسي أن يكون لديك برنامج، وطرح، ورؤية، وخطط، وخطط بديلة، والسياسة فن الممكن!
والعمل السياسي لا يُختزل في 5 أسماء أو 10 أو حتى 100، ولا
في حزب، أو فئة، أو كتلة، أو قبيلة.
كما أن العمل السياسي ليس حكراً على الكبار في السن، أو المخضرمين
في المجالس، أو الرموز ذات الشعبية العريضة، خصوصاً ممن أمسوا خارج المشهد السياسي
بإقصاء أنفسهم حين إنتهجوا مبدأ المقاطعة المطلقة فأصبحوا بحكم الميت سياسياً.
لذلك فقد بات حتماً أن تعلن الصفوف الثانية الداعية للإصلاح
عن نفسها، وأن تتقدم بمبادراتها، وتطرح برامجها، وتتهيأ للمشاركة السياسية في أول استحقاق
قادم.
*
خلاصة القول:
إن فاتت عليكم الفرصة لا تخلونها تفوت على غيركم، والحي أبقىٰ
من الميت.
.
صحيح
ردحذف