في إحدىٰ السنوات، تم ترشيحي من قِبل إدارة عملي لدورة إختيارية
-شبه إجبارية- مدتها 3 أيام، وكانت بعنوان التقليد والغش التجاري، أو شيء من هذا
القبيل.
الدورة كانت برعاية شركة قطع غيار أمريكية معروفة، والمحاضِر
فيها كان أحد المسؤولين الكبار في الشركة وهو أمريكي الجنسية.
حدثنا الأمريكي عن الغش التجاري، وكيف نفرق بين الأصلي والتقليد
فيما يتعلق بمنتجات شركته تحديداً، ثم عرّج في حديثه على الفساد والرشاوىٰ في العمل
الحكومي ووجوب منع دخول البضائع المقلدة، وكان يوجه جل حديثه إلى الجالسين في الصف
الأول أمامه والذي احتل مقاعده مسؤولون مشاركون معنا في الدورة، وأكثرهم معلوم فساده،
ويتعاطىٰ مع الرشوة كـ حق مكتسب، وياكلها من الشق للشق ولا عنده فيها!
وأتذكر أن الأمريكي ومن خلال شاشة جهاز البروجكتر عرض علينا
صورة فيل كبيرة وقال:
"الفساد مثل الفيل، أكثر الناس لا يعرف عنه إلا أنه فيل فقط"!
في ثاني أيام الدورة أحضر أحد الزملاء قطعة غيار سيارة تحمل
ماركة الشركة الأمريكية الراعية للدورة، وعرضها على الأمريكي المحاضر الذي ابتسم ابتسامة
الخبير الواثق حين نظر إليها وقال: هذه قطعة غيار مقلدة ومكشوفة التقليد!
فابتسم زميلنا الذي أحضر القطعة ابتسامة الناقد المستهزئ وقال:
"لقد اشتريتها قبل قليل من شركتكم وهذه هي الفاتورة مدوّن فيها
الرقم المتسلسل للقطعة"، فبُهت الأمريكي، وضجت القاعة بالضحك، فخرجت أنا بدون استئذان متوجهاً إلى طريق العبدلي كيلو 43 لأحضر مهرجان مزاين الإبل، وتغيبت عامداً
عن ثالث أيام الدورة التي يحاضر فيها فاسد، ويتصدر مقاعدها فاسدون.
لكن للأمانة، ومن باب الإنصاف، أعترف أنني خرجت من تلك الدورة
بفائدة عظيمة، وهي أنني عرفت أن الفساد مثل الفيل!
*
أيها القراء / لا تصدقوا كل من يرفع شعار الإصلاح، ويدّعي
محاربة الفساد، ويعقد الندوات، ويلقي المحاضرات، إلا بعد أن تتأكدوا يقيناً أنه رجلٌ
صالح، ويشهد على صلاحه 4 ثقات عدول، وبشرط أن لا يكونوا من أهل بيته، أو حاشيته، أو
ممن يرجوْن خيره.
لا تنخدعوا بصحوة الصلاح المفاجئة، وموضة محاربة الفساد الطارئة،
ففي السنوات الأخيرة صار الكل شريفاً ونظيفاً، فنحن نمر بمرحلة "حدّت البعض على
المرجلة"!
احذروا/ الفاسد الذي يدعو للإصلاح، والسياسي الذي يمتطي
الدين، والسارق الذي يتحدث عن حرمة المال العام، والثعلب الذي برز بثياب الواعظين ليحتال
على الديك وياكله!
*
والآن يأتي سؤال، 3 أرباعنا ما يعرف إجابته/
ما هي أنواع الفساد؟ وما هو ترتيبها من حيث الخطورة، وأولوية
مكافحتها؟
في الكويت/ ألهانا التكاثر، لأننا شعب مادي، يحب المال حباً جماً، لذلك فمن الطبيعي أن نعتقد أن قضية الفساد المالي هي الأولى، والأولوية، بل الهم
الأوحد الذي يشغل بال عامة الناس، وبالتالي تجد أن السياسي المتكسّب يتبنى القضايا المالية
ويقدمها على غيرها أهم منها، تقرّباً إلى الناخبين.
طيّب/ وش رايكم أن الفساد المالي يأتي في مرحلة متأخرة في
ترتيب الفساد، وأن هناك 3 أنواع -على الأقل- من الفساد تعتبر أهم منه، وأبدىٰ، ولو نجحنا
في مكافحتها، وإصلاحها لما أصبح لنا حاجة في مكافحة الفساد المالي، لأنه سيختفي بشكل
طبيعي بصلاح وإصلاح ما سبقه في الترتيب!
وعلشان ما أطولها عليكم/ فإن أخطر فساد في الأرض هو فساد
العقيدة، وهو أساس كل فساد في الأرض على الإطلاق.
ثم يأتي الفساد الأخلاقي، ويليه الفساد الإداري والذي يعتبر
الفساد المالي متفرعاً منه، بل هو رافده الأساسي.
والآن إليكم السؤال الثاني/
لماذا لا ينبري السياسيون لمحاربة الفساد العقدي؟ والأخلاقي؟
والإداري؟
لماذا ينصب تركيزهم فقط على الفساد المالي؟
لن أجيب / أجيبوا أنتم بطريقتكم.
*
خلاصة القول:
إذا رأيت الرجل يختزل الفساد في المال، فاعلم أنه يسعى إليه.
.