السياسة فن الممكن، ولا يدرك هذا الممكن سوى أصحاب الحنكة
والآراء المتزنة والعقول الراجحة التي تقيس الأمور بمقياسها الصحيح وتعي أبعاد كل
قرار قبل إتخاذه، وتقدم المصلحة العامة على ما سواها، بعيداً عن المطامع الشخصية
والتوجهات الحزبية والضغوطات الشعبية والعاطفة الغبية وتصفية الحسابات مع الخصوم .
لا يمكن أن تكون سياسياً ناجحاً ما دمت تحمل في رأسك عقلية
سالم الزير وتهدر سنين عمرك في مطاردة جساس لأجل دم كليب الذي قتله ظُلمه
واستكبارة وتجبّره واحتقاره للناس.
وهل تعلمون أن جساساً أطلق شنب من سالم الزير الذي حضرت
شجاعته وغاب عقله فأباد أهله وعشيرته ثم قُتل ذليلاً مدحورا في خلاء موحش بعيداً
عن وطنه.
إختصمنا بالأمس إلى المحكمة الدستورية وليست المرة الأولى
التي نختصم فيها أمام هذه المحكمة، لكنها الأولى التي يعلن كثير منا عدم إحترام
حكمها، وكنا قد إحترمنا أحكاماً دستورية سابقة على لسان أكبر وأقدر ممثلينا في
مجلس الأمة، فما الذي إختلف هذه المرة؟ ألأن الحكم لم يأت على ما نشتهي ونريد؟
إذاً لماذا كنا ننتظر حكم المحكمة!
لنتفق أن الحكم كان ظالماً وجائراً، أيكون ذلك سبباً للتوقف
عن التفكير والبحث عن السبل الصحيحة للخروج من هذه الأزمة التي لن تنتهي طالما أن
هناك من يوكل الأمر إلى شجاعة سالم الزير في حين أننا بحاجة إلى عقل إبن عباد.
المقاطعة السابقة للإنتخابات كانت ظاهرة وقتية انتهت في
حينها، ورغم أنها كانت مؤثرة لكنها لم تكن الحل الأنسب لأنها كانت مجرد ردة فعل لم
تبنى على أسس واضحة ولم تضع لها الخطط المستقبلية المدروسة التي تساعد على
الإستمرار فيها وإتمام نجاحها، لذلك أجد أنه من الخطأ الإستمرار اليوم في هذه
المقاطعة التي ستثبت فشلها مع الإعلان عن نسبة المشاركة في الإنتخابات القادمة في
حال إجرائها في موعدها المتوقع في شهر رمضان الذي سيشهد تواجد كل الكويتيين في
داخل البلاد.
أيها السادة.. فشلت الحكومات المتعاقبة ووأدت التنمية وتوقف
حال البلد لإفتقارنا للسياسي الحكيم العاقل المتزن المحنك في صفوف الحكومة – إلا
ما ندر – واليوم تغيب الحكمة ويشح بعض عقلاء الأغلبية السابقة بعطاءهم عندما
يتخذون قرار المقاطعة بحجة أنهم إتخذوا موقفاً لا يمكن التراجع عنه، متخلين عن
مسؤولياتهم في التشريع ومتنازلين عن أدوارهم في الرقابة، وكلما تأخروا في العودة
كلما زادت تركة الفساد وزاد عبء المواطن وثقل كاهل المصلح فننشغل حين نعود سنين
أخرى بالترقيع ومحاولة العودة إلى نقطة البداية.
إن كنتم مصرّين / فليقاطع من إتخذ موقفاً يعتقد أن عليه
إحترامه، وليشارك من يرى وجوب المشاركة، لكن ليحترم كل منا الآخر، ولنتوقف عن
مخاصمة بعضنا البعض بسبب هذا القرار الإختياري، وابتعدوا عن التصنيف والإرهاب
الفكري، واعلموا أن وصول بعض الصالحين للمجلس القادم يصب في مصلحة البلد والمواطن
ويخدم أيضاً حراك المعارضة التي إختارت عدم المشاركة وبالتالي إقصاء نفسها من
المشهد السياسي القادم محققة رغبة الحكومة! ويجب أن لا يعول أحد بعد اليوم على
محاولة تغيير تأتي من الشارع.
*****
خلاصة القول:
في السياسة لا وجود لقاعدة: الرجّـال عند كلمته